الارشيف الاثاري الصوري - الامبراطورية الاشورية
ألاسم مأخوذ نسبة الى اشور ( والاسم ربما يعني آفق السماء بحسب د. فوزي رشيد ) وهي كلمة اطلقت على اقدم مراكز الاشوريين اي مدينة اشور (قلعة الشرقاط الحالية) وسمي بها ايضا الههم القومي " اشور " منذ طلائع الالف الثالث قبل الميلاد, ولا يعلم على وجه التأكيد ايهما الاصل للأخر, وتكتب بالصيغة القديمة السومرية على هيئة" أ-أوسار" وبالعلامة المسمارية على الصيغة الاكدية تسمى " مات (بلاد) أشور كي " والاسم الاكثر قدما واصالة هو " سوبارتو او سوبر " نسبة الى القوم الذين استوطنوا هذا الجزء من شمالي العراق منذ ابعد العصور التاريخية قبل مجئ الاشوريين الساميين الاموريين من بلاد الشام اليه, وكان البابليين يطلقون اسم سوبارتو على الاشوريين وعلى موطنهم من باب الانتقاص.
تتلخص الادوار التاريخية في بلاد اشور بحسب الاتي :
1- ما قبل الاشوري ( العهد الاكدي الى نهاية سلالة اور الثالثة 2500-2000 ق.م ) وكانت تدعى "كاسر "وتدار من جانب حكام تابعين للدولة الاكادية وتعتبر مركزا اداريا مهما.وفي معبد الالهة عشتار عثر عاى رأس من البرونز المسبوك ويعد من القطع الفريدة ويمثل اما مؤسس السلالة الاكادية سرجون او حفيده نرام سين. اكبر تأثير للثقافة الاكادية ما تركته اللهجة الاكادية في اللغة الاشورية القديمة ومشتقاتها , وكذلك يلاحظ بشكل واضح اعتبار الملوك الاكاديين مثلا يحتذى به من قبل الملوك الاشوريين, ولذا كان الاتجاه الغالب في العقيدة السياسية للاشوريين هو دولة القطر الواحد المركزية وتسيد الفكرة الامبراطورية( ملك العالم والجهات الاربعة ) على العقيدة السياسية للجنوب العراقي التي حبذت فكرة دويلات المدن واللامركزية وكان هذا احدى اسباب الاختلاف بين بابل واشور فيما بعد. وفي غهد اور الثالثة التي اعقبت فترة الاحتلال الكوتية,دخلت بلاد اشور ضمن اقاليم المبراطورية " أور "واصبحت اشور مركزا اداريا يقوم بمهامه كجزء من دولة القطر السومري الواحد.
2- الاشوري القديم ( 2000-1500 ق.م ) - خلال هذه الفترة حصل تدفق في المهاجرين الاموريين - الساميين من جخة الغرب على حوض بلاد الرافدين من جهة الوسط ( بابل ) والشمال ( اشور ) واسنطاعت هذه الاقوام السامية ان تستقل بذاتها بعد سقوط امبراطورية اور الثالثة وتشكل كيانا سياسيا امتد حتى منتصف الالف الثاني ق.م ونذكر من ملوك هذه الفترة ( سوليلي ابن امينو) وكيكا الذي شيد ايوار اشور ثم بوزو اشور وشالم اخوم ثم ايريشم الاول (الحارث )والذين يذكران انهما شيدا معالد الالهة اشور وادد وعشتار وكذلك تأسست اول مستعمرة تجارية اشورية( كاروم ) في بلاد الاناضول ( كول تبة) ,ويتألق هذا العصر بملكه سرجون الاول ومن ثم المللك الشهير " شمشي ادد الاول" واتسغت امبراطورية اشور لتشمل منطقة الفرات الاوسط ومركزها مدينة ماري وضمت اجزاء من بلاد الشام وانتهت هذه الامبراطورية على يد العاهل البابلي الشهير " حمورابي" واستطاع ان يضمها الى امبراطوريته الواسعة حتى استقلت بعد وفاته.
3- الاشوري الوسيط (1500-911 ق.م ) ودام هذا العصر 4 قرون ويعاصر الفترة الكاشية في بابل الثالثة, امتازت هذه الفترة بصعوبتها لاسباب اقليمية خارجية اهمها بزوغ نجم قوتبن عظيمتين الاولى هي مصر بعد التحرير من الهكسوس ( 1560ق.م ) واستطاعت لخمس قرون ان تمد سيطرتها على بلاد الشام حتى وادي الفرات الاعلى ومن الجهة الاخرى هنالك الامبراطورية الحثية ومركزها الاناضول والتي نازعت الفراعنة على بلاد الشام ودامت الحروب بينهما بحدود القرن اانكمشت خلالها اشور ولجئت الى السكون وترقب الحدث وكان ينازعها على السطرة على حوض الرافدين الدولة الكاشية ( البابلية الثالثة ) التي احتلت بابل بعد عصر حمورابي الذهبي ومن ثم جاء التهديد الاخر لاشور على يد الدولة الميتانية وهم من الاقوام الحورية والتي بسطت نفوذها على اشور لقرن ونصف من الزمن حتى ظهور الملك الاشوري القوي " اشور اوبالط 1365-1330 ق.م "والذي اسقط الميتانيين مستغلا ضعف الفراعنة في عهد اخناتون ( امنحوتب الرابع ) وسيطة الحثيين من الاناضول على بلاد الشام و تردي الحلف المصري الميتاني .تلا هذا العصر صعود ملك قوي هو " ثجلاثبليزر 1077 ق.م " كان عصرا ذهبيا لاشور توطدت فيه اركانها وعلاقاتها السياسية والتجارية ولكن بعد وفاة هذا الملك تقهقرت حالة بلاد اشور وكان اكثر تهديد تلا عصر هذا الملك هو الاقوام الارامية السامبة الغربية ( ما بعد الاموريين ) والذين اندفعوا الى اشور وبابل وساهموا في تأسيس امبراطورية بابل الكلدية ,استمرت الفترة المظلمة بخدود 166 سنة .
4-الاشوري الحديث (911 - 612 ق.م )
أ- الامبراطورية الاشورية الاولى ( 911 - 744 ق.م) ابرز حكام هذه الفترة هو الملك " ادد-نيراري 911 -891 ق.م " بامكاننا ان نطلق عليه لقب المنقذ لاشور و مؤسس الامبراطورية الحديثة وقد بلغت القوة العسكرية اوجها وسيطرى اشور بعده
لمدة 3 قرون على حياة الشرق القديم. وكان من دواعي المتياز العسكري كاساس لاشور الحديثة هو كثرة التحديات الاقليمية من كافة الجهات في تلك الفترة (بابل من الجنوب- غيلام من الشرق- الحثيين من الشمال و الدوبلات الارامية من الغرب )
وصادف ان ضعفت معظم دول العالم القديم في تلك الفترة وشاع استخدام معدن الحديد في الشرق الادنى فاستغله الاشوريون في تكوين اضخم جهاز حربي عرفه العالم القديم ومن ابرز ملوك هذه الحقبة :
توكلتي -ننورتا 890-884 ق.م : ابن ادد-نبراري اعاد بناء اسوار اشور وكذا قام بالحملة على بابل لفرض السلطان الاشوري وكانت تخوم الامبراطورية الاشورية موحدة بحق.
اشور ناصربال الثاني 883-859 ق.م : ابن توكلتي ,كان فاتحا غسكريا فاسيا وذو شخصية حاسمة وقد بلغت حملاته العسكرية اقليم مشكي في شرقي الاناضول وحارب الحثيين في سوريا وضرب الاكراد في منطقة السليمانية واكتسح الدويلات الارامية
وصل الى بحر الاموريين ( المتوسط ) بعبوره جبال لبنان وغسله السيف في ماء البحر العظيم و اخضع : صور وصيدا وجبيل وارغمهم على دفع الجزية وقد خلف هذا القائد العظيم سجلا حافلا في اخباره المدونة في قصره في مدينة كالح ( النمرود).
شيلمنصر الثالث 858-824 ق.م : خلف اباه اشورناصربال وقام بتوسيع ما ورثه من امبراطورية ودام حكمه 35 غام وامتدت امبراطوريته من الخليج العربي جنوبا ( مرورا ببابل في سلالتها الثامنة ) وقدم القرابين لكبير الالهة " مردوح" في معبد
الايساكيلا وطارد ايضا فلول الاراميين ( الكلديين الى سواحل الخليج الكلدي " المر بحسب تعبيره " ) و شمالاحتى جبال ارمينية ومن تخوك الميديين شرقا الى البحر المتوسط غربا وكانت حملته (القرقار) على نهر العاصي اول ما تم ذكر كلمة "
عرب" في اخبار ملوك العراق القديم ,وقد جدد العواصم الاشورية اشور, نينوى وكالح( النمرود) ومن اهم اثاره العمرانية الابواب البرونزية الجميلة التي تغلف ابواب قصره في النمرود وفيها مشاهد من حملاته الحربية.
شمشي-ادد الخامس ( 828-822 ق.م ) : استلم الحكم من والده شلمنصر الثالث على عتبة حروب داخلية وانقسام داخل البيت الاشوري و حلت فترة ضعق وانكماش دامت زهاء 80 عاما منذ نوليه الحكم ورغم نجاحه في اخماد نارها, وقد جكم 12 عام ولم يفلح في القضاء التام على
عوامل السخط والتذمر بين الناس وخلفه ابنه القاصر " ادد-نيريري الثالث 810-783 ق.م) وكان قاصرا فتولته امه الملكة شاموراملت كوصية ولمدة 5 سنوات.
سميراميس ( سمورامات- محبوبة الحمام ) : بالاراميو شاميرام وهي ذاتها الملكة الاسطورية الجميلة ونسيت اليها اعمال فتوحات وبناء ( منها بناء الجنائن المعلقة خطأ بالطبع ) واشتهرت بحدة شهوتها وجلروتها وقسوتها وصارت رمزا و عنوانا لحضارة بلاد النهرين واشهر اسطورة نسجت حولها هي انها ابنة الهة وقد عبدت في عسقلان, نصفها سمكة والنصف الاخر حمامة وقد تخلت عنها الالهة فأخذها طير ورباهاوعثر عليها رعاة الملك وتولى تربيتها و رأها حاكم نينوى ( اونيس ) فأحبها وتزوجها ...الخ وهذه الرواية الاسطورية وردت عن هيروديتس والذي استقى معلوماته عن كهنة بابل وربما انها اميرة بابلية تزوجها الملك الاشوري " شمشي ادد" فبالغوا في وصفها ووصف شهرتها كونها " كنة شلمنصر العظيم "وزوجة "شمشي ادد" الذي وحد اشور من جديد.
ب- الامبراطورية الاشورية الثانية (744-721 ق.م ), من ابرز حكام هذه الفترة الحرجة من تاريخ بلاد اشور الملك "ثجلاثبليزر الثالث" 744-727 الذي اثبت كفاءة عالية في توحيد البلاد واعادة بابل الى حاضرة اشور و ادخل التجنيد الاجباري وتبنى
سياسة التهجير العرقي بين الاقاليم التي تثير اضطرابات و قام بتأديب الاقاليم العيدة في عيلام وبلاد الميديين وكذا سوريا و الاراميين التي دمر غاصمتها دمشق وضم نصف مملكة اسرائيل .
خلف شليمنصر الخامس اباه في الحكم الي حكم لست سنوات واهم ما قام به هو محاصرة مدينة السامرة لثلاث سنوات وخبفه على حكم بلاد اشور السلالة السرجونية لتنتعش الامبراطورية الاشورية الحديثة وتعيش اشور في ازهى ازمانها.
ج- الامبراطورية الاشورية الثالثة ( 721 - 612 ق.م ) , السلالة السرجونية :نسبة الى الملك الشهير سرجون ( شرو- كين اي الملك الصادق ) والذي لا نعلم عن اصله شيئا سوى استعارته الاسم من العاهل الاكدي الشهير سرجون الاكدي كناية عن الاعتزار الشديد و الفخر بالاسلاف المحاربين الاقوياء من السلالة الاكادية التي سادت قبل اكثر من 1600 عام, وقد حكم ابناءه واحفاده العظماء من بعده وحتى الغروب الاخير للشمس عن بلاد اشور بسقوطها تحت السيطرة البابلية الكلدية في 612 ق.م
سرجون ( ( 721-705 ق.م ) وقد كان قائدا عسكريا وموحدا للقطر بحق بضربه للمثيرين للاضطرابات في الاقاليم من بابل (وقت حكم مردوخ ابلا ادنا ) الى عيلام ( همدان وكرمنشاه-حتى ارمينيا )وحتى الاجزاء الشامية الخاضعة للنفوذ المصري ( قرقميس- طرابلس )و كذا امراء جزيرة قبرص وازال اسرائيل من الوجود و جلبهم الى كوثى البابلية وقتذاك.
اتخذ سرجون غدة مدن كعاصمة لامبراطوريته , ابتدأ من اشور الى نينوى وكذلك العاصمة العسكرية " النمرود- كالح" ومن ثم اسس له مدينة جديدة تحمل اسمه" دور شروكين" بالقرب من قرية " خورساباد" وجعل لها سبعة ابواب وشيد برجا حلزونيا على سبعة طبقات والذي اقتبيت منه منارة سامراء فيما بعد, وزينت الثيران والاسود المجنحة ذات الرؤوس البشرية كملائكة حارسة ابواب المدينة السبعة ( سميت بال لاماسو). وقد تطورت صناعة التزجيج و الاجر المزجج في تلك الفترة بسبب الدعم الحكومي للعمارة والزخرفة وكذلك صناعة سبك المعادن والمعدات الحربية , يعتقد ان سرجون قد تعرض لحادثة اعتقال ولم ينتقل الى مدينته التي هجرت وخلفه ابناءه على الحكم.
سنحاريب (704-681 ق.م ) : يعتير من احد اشهر ملوك اشور الحديثة,خلف ابيه سرجون على الحكم وحكم لمدة 26 عام,قضاها في تدعيم اركان الامبراطورية الواسعة :شمالا من ارمينيا واقوام الكميريون الروس الى اسيا الصغرى وجاء لاول مرة ذكر لليونان في سجلاته (الايونيين),الى الغرب الفينيقي-الفلسطيني -السوري - المصري وكذا مملكة يهوذا قبادر الى الحمل عليها وضرب حصاره على اورشليم لمدة 3 سنوات حتى اذعنت بدفع جزية لاشور منها بنات الملك ( ذكرت الحملة في التوراة تحت اخبار اشعيا النبي التوراتي ),وقد حمل على عيلام ومدنها المتاخمة لحدود القطر من الجنوب ونقل انقاض مدنها بسفن على نهر الفرات الى نينوى وكذا دمر بابل عن بكرة ابيها واقسم ان لا تقوم لها قائمة لكي يردم الاطماع العيلامية والدس المتواصل .
ازدهرت نينوى و اصبحت لحق عاصمة امبراطورية حديثة حافلة بفنون المعمار والنحت الاشوري المتميز , انتشرت القصور و الحدائق وكذا كائنات اللاماسو ( المجنحة ) الاسطورية الحجم الحارسة لنينوى وقصورها وضمت تلين جديدين هما تل قوينجق وتل النبي يونان ( قصر ابنه الملك سنحاريب ),كان اول من ادخل القطن الى العراق وانشأ قناة كلسية لميافة خمسين ميل لجلب المياه العذبة الى نينوى من موضع " جروانة ", انتهت حياة سنحاريب بالاغتيال من احد ابناءه وتمكن اصغر ابناءه ( اسرحدون ) من السيطرة على مقاليد الحكم.
أسرحدون (681-668 ق.م ) تبوأ الحكم بهد مؤامرة اغتيال سنحاريب ,كان سياسيا دبلوماسيا اولا ثم قائدا عسكريا, اعاد بناء مدينة بابل بعملية اعادة اعمار طويلة الامد استحسنها اهل المدينة فررضوا عنه وباركو حكمه على النقيض من اباه سنحاريب. دمر صيدا وطرحها في البحر, تصالح شمالا مع الكميريين والاشكوزيين القادمين من ارمينيا وحارب الميديين في هضبة ايران,وكان من اعظم انجازاته فتح مصر ايام فرعونها " تهراقا الحبشي " استكمالا لمحاولات ابيه سنحاريب ونجح في اخضاعها وفرض الجزية عليها,ثم عاد تهراقا بعد عامين بشن حرب على الجيش الاشوري فحمل عليه اسرحدون من جديد لتوافيه المنية في عام 669ق.م وهو في حران وكان قد رتب ب 3 اعوام امر ولاية العهد لابنيه شمش شم اوكن ( بابل ) و " اشور بانيبال للامبراطورية"
اشور بانيبال ( 668-627 ق.م ) : من اعظم ملوك اشور واحبهم واكثرهم حكمة ,جهز اول حملاته على مصر فدخل ممفس ولاحق ترهاقا الى طيبة وفتحها وعين ملوكا وولاة وحاميات في الدلتا ودمرت جيوشه طيبة مرة ثانية وحمل معه مسلتان من البرونز ,دام الاحتلال الاشوري لمصر 15 عاما لانشعال الاشوريين بحروبهم مع العيلاميين بعدهاالتي تم قطع رأس ملكهم " تيومان" وعلق في الحديقة الملكية في نينوى. ثم تلتها حرب طاحنة لثلاث سنوات مع بابل واخيه شمش اوكن الذي احرق نفسه وعاد اشوربانيبال من جديد الى مغاقبة العيلاميين وحرق عاصمتهم سوسة ونبش قيور ملوكها ونثر الملح على انقاض المدن المخربة وكانت هذه احدى اشد الضربات لعيلام ولم تقم لها بعد ذلك قائمة. كان الطعن المستمر الذي قام به الميديين هو من الاسباب الخفية اللتي عجلت في تقهقر وضعف الامبراطورية الاشورية وكذا الحروب مع بابل لنيل الاستقلال على يد حاكم القطر البحري البابلي الكلدي الارامي "نبوبلاصر" ايام الملك الاشوري ايلانسي واخيه سين شار اشكن والتي انتهت في 612 بتوجيه الضربة القاصمة بالتعاون ما بين الميديين والكلديين ( توجت بزواج ابن نبوبلاصر "نبوخذنصر" من ابنة الميديين" اميتس" وهكذا سقطت العاصمة العظيمة نينوى التي هزت عروش وتيجان ملوك العالم القديم لقرون...