د.امل بورتر

يسوع ضاحكًا ومحبًا في معرض تشكيلي في كنيسة اسكتلندية في ادنبرة

Posted in د. أمل بورتر

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

د. أمل بورتر

1 كانون الاول، 2006

 

في مقال للكاتب والمفكر الإسلامي غالب حسن الشابندر، عنوانه المخيال الاجتماعي في خدمة ملائكة بدر، المنشور في موقع إيلاف يوم الأربعاء الثامن من تشرين الثاني 2006، اضعه ادناه بين مزدوجين: 

"لقد مرت رسوم السيد المسيح نبينا عليه السلام بنماذج مختلفة في بحر التاريخ الفني الغربي، تارة هو جسد قوي عملاق، وتارة هو جسد ناعم شفاف، تارة هو أبيض اللون ترف اللحم، وأخرى هو أسود اللون خشن اللحم، وتارة هو بين هذا وذاك، هل نستبعد أثر التصورات الشعبية والثقافات السائدة في هذا الزمن أو ذاك كـ (سبب) جوهري في هذه المفارقات فيما يخص صورة السيد المسيح عليه السلام في أذهان الناس، ومن ثم انعكاسها على مخيلة الرسامين والفنانين؟"


 لم أجد مثل هذا التحليل لرسوم المسيح في المقالات النقدية الفنية باللغة العربية أبدًا، رغم أن مقال الكاتب غالب حسن الشابندر لم يكن فنيًا بالمعنى الكامل للكلمة، بل كان شرحًا لشكل الملائكة في معركة بدر.

 ولكن بما أن هذا الموضوع قد أثير من قبل عربي ومسلم كما يبدو لي انه يكتب بشغف، لقد شجعني هذا المقطع بالذات، على أن أترجم وأعلق على معرض حضرته وأثار استغرابي بادئ ذي بدء، وثم إعجابي الشديد بعد أن تمعنت فيه بجلية وفهمت عمق فحواه ومقصده.

 تقيم مدينة ادنبرة الاسكتلندية في المملكة المتحدة سنويًا في شهر آب مهرجانًا للفنون، يكون قبلة أنظار العالم، تشارك فيه دول عديدة، وشخصيات فنية متميزة ويفسح هذا المهرجان الفرصة للمواهب الشابة أو المغمورة بالانطلاق، وليس من السهولة المشاركة في المهرجان، فإن الحجز لتقديم الفعاليات يتم قبل سنوات من موعد المهرجان، ولذا فإن منظمي المهرجان قد وسعوا من ساحة نشاطه ونسبوا لبعض المشاركين أن يقدموا نشاطاتهم وفعالياتهم خارج الحدود الرسمية للمهرجان، وبذلك أخذت شوارع وكنائس وقاعات المراكز الاجتماعية وغيرها تمتلئ بالنشاطات والفعاليات الفنية المتنوعة التي تقدم أغلبها مجانًا.

 مهرجان عام 2004 كان مهمًا ومتميزًا بالنسبة لي، إذ زرت فيه معرضًا أقيم في كنيسة استرعى انتباهي عنوان المعرض وهو (يسوع ضاحكًا ومحبًا).

 الكنيسة لا تبعد كثيرًا عن وسط مدينة ادنبرة، قريبة من منطقة المتاحف والمعارض، وهي كنيسة معروفة باهتماماتها الثقافية ذات الأبعاد العرقية المختلفة، رغم كونها كنيسة اسكتلندية صرفة.

دخلت الكنيسة، كانت هناك فرقة تتدرب على التراتيل الكنسية، طلب مني الشخص المسؤول عن الكنيسة ألا أُحدث ضجيجًا وأن أحافظ على الهدوء لكي لا أشوش على التدريبات الموسيقية للتراتيل المدائحية.

 دخلت قاعة المعرض حيث أشار لي، القاعة بسيطة متواضعة غير واسعة، مضاءة بنوافذ في السقف تُدخل النور بكرم متناهٍ، نفاه القاعة يُشعر المتلقي بأنه موضع ترحيب، دليل المعرض يشير إلى 67 عملًا فنيًا من مختلف أنحاء العالم، من مناطق لم أتوقع أن تعرف بأن هناك مهرجانًا فنيًا في ادنبرة.

وأتذكر خلال دراستي للفن، وفي كل المراحل كان الأساتذة يؤكدون على عدم البقاء في أي قاعة أكثر من ساعتين إلى ثلاثة، إذ أن زيارة المعارض إذا ما استمرت أكثر من ثلاث ساعات تنهك، فالفكر لا يستوعب ما يتلقاه النظر من الأعمال المتاحة ويتعب في تحليلها، وطبقت نصيحة أساتذتي، فكل ساعتين كنت أنسحب من المعرض وأجلس على مصاطب الكنيسة لأريح نظري وفكري من الهزة التي أحدثتها تلك الأعمال الفنية وأستمتع بالموسيقى التي تنساب بنعومة وخدر.

 اعترتني هزة إعجاب ودهشة وانبهار بالأفكار الجريئة المطروحة، رغم أن الكثير من الأعمال لم يصل مستواها التقني إلى الطموح، إلا أن بساطتها وعفويتها وصدقها وانعكاس البيئة المحلية والثقافة السائدة على النتاج الفني كان مذهلاً.

 لقد عالج كل فنان فكرته بشكل مختلف ومتميز، وطرحت المواضيع بقوالب جديدة تمامًا عما هو متعارف عليه في كيفية تصوير المسيح/يسوع ، وخلال دراستي كنت أستغرب من الأعمال التي يعرضها علينا أساتذتنا الإنجليز وتصور المسيح بشعره الأشقر المائل إلى الاحمرار وبشرته البيضاء الوردية وعيونه الزرقاء، وأنف مستقيم صغير، وتعليقي دائمًا يكون عليها يا أستاذي المسيح كان عبريًا/اراميا  من أبناء عمومة العرب ولم يكن انكلوسكسونيًا.

 ورغم اعتراضي على شكل المسيح حينها إلا أنني بعد أن شاهدت هذا المعرض وجدت أن الفنان الذي يصور المسيح يعكس بيئته هو وتوقعاته وينسى الأصل.

 الفن الأوربي صور المسيح في حالة قدسية وتماهٍ مع الروحانيات، ومقهورًا، متألمًا، حالمًا، معذبًا، رومانسيًا، رقيقًا، مستلبًا، لا نقرأ الكثير عما يدور بداخله، لم نرَ تعابير الفرح أو القسوة أو الامتعاض أو الضجر في وجهه، فإن المسيح صور لنا فوق كل هذه الاعتبارات الأرضية رأينا له أفعالاً لا مشاعر، في حادثة اتهام المرأة بالزنى نجده واقفًا تجاه سدنة المعبد يقول لهم: من كان منكم من دون خطيئة فليرمها بحجر، ولا تحولوا هيكل أبي إلى مكان للتجارة، ثم يقلب طاولات التجار والصرافين من داخل المعبد، كان دائمًا يؤدي عملًا كبيرًا ومهمًا ملغومًا بالتحدي والرفض، ولكننا لم نرَ هذه التعابير في هيئته ككل من وجهه إلى جسمه إلى وقفته، كان متزنًا مثاليًا لا يعبر عن انفعالات أبدًا، وحتى جسمه يبدو لنا بشكل واحد في كل تلك الحالات بحركة متماسكة صلبة ووقفة أغلب الأوقات مستقيمة ولم نستطع أن نقرأ تعابير وجهه أو حركة جسمه، إذ لم يترجما لنا أي لغة انفعالية وتجنبا أن يبيحا لنا عن مشاعر إنسانية أرضية، وحتى في حالة الصلب لم نرَ عضلات متشنجة من الألم أو يدًا مسترخية نتيجة الانهيار، حتى كارافاجيو الذي صور المواضيع الدينية بكثير من الجرأة والتحدي والواقعية، لم يصور ويظهر لنا انفعالات المسيح الجسدية، وإذا نظرنا إلى لوحة كارافاجيو المسماة القديس توما وهو يتحسس جرح المسيح للتعرف عليه بعد قيامته، نجد أن تلاميذ المسيح الثلاثة تبدو على وجوههم انفعالات واضحة منها العيون المزمومة، الحواجب المقطبة، والجباه بخطوطها المجعدة دلالة على التعجب والانبهار مع انحناءات الأكتاف وتشنج الأصابع، ولكن المسيح هنا واقف هادئ تاركًا توما يدخل إصبعه في الجرح ورأسه منحني والظل يغطيه لا نقرأ تعبيرات في وجهه وجسده ورغم الجرح الكبير في الخاصرة حتى العضلات المحيطة بالجرح غير متشنجة بل مسترخية بشكل طبيعي.

 كارافاجيو المنفعل في حياته اليومية، والذي انغمر في كثير من المشاحنات والخصومات وحوكم وسجن، أحدث ضجة في تصويره لموضوعاته وتوظيفاته الجريئة فكرة ومضمونًا وتنفيذًا، كما أنه استعان بموديلات من قاع المدينة كاللصوص والعاهرات، استخدم تلك الموديلات في تنفيذ لوحاته التي تصور المواضيع الدينية، ومن أشهرها وفاة السيدة العذراء، إذ كما يقال بأن الموديل كان جسد امرأة عاهرة ماتت غرقًا، ويبدو ذلك واضحًا من انتفاخ بطنها ومن الرداء الأحمر الفاقع الذي ترتديه، إلا أن كارافاجيو لم يجسر على أن يغير النظرة القدسية البعيدة عن الانفعالات الأرضية وهو يصور المسيح/يسوع. 

  كل من شارك في هذا المعرض صور المسيح وهو يعبر عن خوالجه وأحاسيسه كما يجب أن يصور، فهو إنسان عايشَ الناس البسطاء من فقراء ومرضى ومظلومين وأطفال ورجال وشيوخ ونساء، تعامل مع الأحياء في مسراتهم وأفراحهم وأتراحهم ومصائبهم وشاركهم في أعراسهم ومأتمهم، وفي كل حالة من هذه الحالات لا بد أنه كان يتفاعل ويتمازج وينغمر مع الناس وهم يمارسون مفردات حياتهم اليومية، ومن غير الممكن أنه لم يكن يعبر في كل تلك المناسبات عن مشاعره وإلا كيف كسب حب الناس له لو بقى جامدًا غير منفعلٍ ولا متفاعلٍ مع هواجس وهموم وأفراح الناس المحيطين به؟

كل فنان قدم لنا تفسيره هو لحدث معين في حياة يسوع، وكيف أن الفنان وظف الأجواء المحلية زائدًا تفسيراته وخيالاته في تصور أي واقعة أو قصة، والتفسيرات تستند على قصص الكتاب المقدس، وأحيانًا تتطلع إلى ما بعد القصص، فتقدم لنا أماني وتوقعات، فمثلًا الجميع يعرف بأن هناك لوحة العشاء الأخير لما لهذه الحادثة من أهمية في حياة المسيح، ولكن الفنان الفونسو دوز من جنوب الهند يستبق العشاء الأخير بالعشاء الأول، فلو لم يكن هناك عشاء أول فلن يكون هناك عشاء أخير، وأن العشاء الأول هو للتعارف بين المسيح والرسل ولا بد أنه كان في جو مسترخٍ تشع منه البهجة والحبور.

 1

 لوحة العشاء الاول للفنان الفونسو دوز من الهند 

كما وأن حادثة غسل أقدام الرسل صورت لنا من قبل أكثر فناني أوربا بشكل يبعث على الهيبة والسكون والتواضع والتبحر في عوالم سماوية، في حين أن فنان هذا

المعرض، فضلًا عن توظيف الخلفية التي تعزز فكرة الاسترخاء جعل الحدث في جو المجتمع البشري الاعتيادي غير القدسي وبعيدًا عن أطر عوالم الفكر الروحاني.

 لو قارنا هذه الأعمال بالأعمال الأوربية من فترة عصر النهضة وما تلاها، نجد أن الرسل قد صوروا بأبهى وأنبل صورة جسدية، عضلات متناسقة، قامة ممتدة، هيئة تدل على العافية والقوة، كمال جسماني وأناقة جسدية تظهر العضلات والجسم متكاملًا نشطًا، وفي حركاتهم لا يبدو التردد أو التماهل أو حتى الاسترخاء، بل العزيمة والتحدي والقبول والانصياع، ولكن في نتاجات هذا المعرض من مدينة ادنبرة هذه الصفات قلما نجدها قد وظفت في تصوير الرسل أو المسيح، إذ أن الشخوص كلها تنتسب للإنسان الاعتيادي البسيط، والذي من الممكن أن نصادفه في حياتنا اليومية في أي مكان كنا في العالم، وعدم تصوير القدرة الجسمانية العالية لا ينبع من عدم تمكن الفنان في تقنيته بل أن كل المشاركين في هذا المعرض لهم القدرة على إنتاج عمل بتقنية معلومة، إلا أنهم عمدوا إلى تجاهل صفة الكمال الروحاني والبدني وتفادوا الوقوع في هذا المطب الذي اسمية الاغريقي اذ فرض على الفنان ان يصور الجسد  في منتهى الكمال وهنا اهلهل فرحة اذ ان الفنان السومري لم يقع في هذا المطب ولهذا للحديث مجال اخر، انه  مطب السمو والكمال البدني أو الروحي الذي لا قد يبلغه الإنسان العادي أبدًا.

 يقول كنيث كلارك في معرض شرحه كيف ننظر للعمل التشكيلي وأن الفن ليس متعة للنظر فقط:

"إن فهمنا لمعنى النتاجات الفنية أو حتى فهمنا القليل لها يجب أن يقترن بحياتنا بطريقة تزيد من طاقتنا الروحية"

اختار الفنان الأوربي الذي قد تشبع فكريًا بالفلسفة اليونانية والرومانية، مقولة إن العقل السليم في الجسم السليم، وأن حصول المتلقي والفنان على السواء، على المتعة والطاقة الروحية يكون بتصويره للقوة السماوية المتمثلة في المعبودات والآلهة بشكلها الذي هو منتهى الكمال والقوة والجمال بكل أبعادها الروحية والجسمانية، ومن هنا اكتسب طاقة روحانية زادت من زخمه واقترانه بالآلهة، ونقل الفنان الأوربي هذا المنحى وأكد عليه في تقديم أعماله التي تصور المسيح ورسله ومريم العذراء وكل المواضيع المتعلقة بالفكر الديني المسيحي.

2

 

إن الفكر المسيحي يؤكد الطبيعة الإنسانية والإلهية للمسيح حسبما قرره مجمع الكنائس، والفنان في هذا المعرض لم ينسَ هذا الفكر أبدًا، وحاول استغلاله في إيصال فكرته إلى المتلقي عبر موضوعات مطروقة سابقًا في نتاجات أوربية، إلا أنها كانت تركز على منحى واحد فقط هو الألوهية والقدسية، وتنسى الطبيعة الأخرى الإنسانية البسيطة التي كانت مثار اهتمام الأتباع والرسل بتصرفات إنسانية خيرة، أو تحتوي على المحبة غير المشروطة مع الفرح الذي يمكن أن يعيد الأمل والبهجة لمجتمع قاسى من الاحتلال الأجنبي (الروماني) والجور من قبل رجال الدين(اليهود) بتحكمهم باسم الله وفرض سلطانهم بحجة التعاليم المتعبة القاسية والمتوارثة والتي أضفوا عليها مسوح الدين بكثير من المبالغة.

 كل فنان اشترك في هذا المعرض قدم شرحه لفكرته ومن أين استوحاها وتبريره للإنشاء التصويري الذي استخدمه، ففي لوحة المعمودية وهي لفنان من اندونيسيا استخدم أسلوبًا كلاسيكيًا محليًا، يستعمل في تخريم الجلود وتحويلها إلى عمل فني على شكل دمى متحركة، ويسمى "وايانج كولت" ومنه حور أسلوب وايانج كاماسان والذي وظف بشكل واضح في هذا العمل وقرية كاماسان كلونج مشهورة بهذا الأسلوب وهي قرية الفنان، ويصف الفنان اللوحة قائلًا: إن المسيح عندما تلقى المعمودية في نهر الأردن، على يد يوحنا المعمدان، كان هذا العمل مبعث غبطة وسرور، وأن الروح القدس صور على شكل حمامة بيضاء، نزلت بنورها لتشع على المسيح، ونجد هنا ابتسامة على وجهي المسيح ويوحنا بملامحهما والأجواء الاندونيسية التي تحيطهما.

 

3

 لوحة المعمودية لفنان من اندونيسيا

 

قصص الإنجيل تتحدث عن الخاطئ، وأغلب الأوقات كان محصل الضرائب الذي يعمل للسلطة المحتلة يعتبر خاطئًا، أولاً لفرضه الضرائب العالية واضعًا في الاعتبار حصته منها كمرتب له، وثانيًا لتعاونه مع المحتل، وكان المجتمع اليهودي يتجنب الاختلاط بمحصلي الضرائب وينعتهم بصفات تقلل من قيمتهم الإنسانية والاجتماعية، وفي إنجيل لوقا الاصحاح 18-19 إشارة إلى حادثة تخص شخص اسمه (زكا*) وهو محصل ضرائب، كان مكروهًا في مجتمعه حسب العادات المتبعة، زكا كان قصير القامة وسمع بأن المسيح سيزور مدينته أريحا، عندما احتشدت الجموع لاستقبال المسيح تسلق زكا شجرة جميزة ليستطيع أن يرى المسيح، وما أن شاهد زكا المسيح وهو يقترب من الشجرة حتى بادره قائلاً: أردت رؤيتك أيها المعلم، فأنا قصير القامة إنني أرغب أن أتوب وأن أدفع نصف ما أملك للفقراء وأعوض بأربعة أضعاف من ظلمتهم، فقال له المسيح سآتي وأقيم في بيتك، أثار قول المسيح هذا رجال الدين اليهود واعتبروه خروجًا على الدين وتحديًا للمفاهيم والتقاليد التي اتبعوها، بأن يقيم في بيت إنسان خاطئ، ولكن المسيح برر تصرفه بقوله إن ابن الإنسان جاء ليبحث عن الهالكين ويخلصهم.

إن الفنان الذي نفذ هذه اللوحة من اليابان يقول: لقد نفذت هذه اللوحة بأسلوب قريب من التجريد التعبيري وبضربات كثيفة من الألوان، وحاولت إبراز الفرح والحبور المتبادل بين المسيح وزكا باختيار الألوان المفرحة والزاهية وبرسم الزهور والأغصان الخضراء التي تدل على النماء والخير، وأن الضوء مسلط على الشخصيتين الرئيسيتين وهما زكا الذي فوق أغصان الجميزة والمسيح، وكلاهما صورا بأسلوب الفن الحديث، وبقية الجموع صورت وجوهها على شكل مثلثات رغم الضربات الخشنة للفرشات والمساحات الهندسية الشكل وشبه المتناظرة إلا أننا نجد أن هناك تناغم ورقة في تنفيذ العمل الفني.

 

4

 لوحة زكا و المسيح ( من اليابان)

 

إن الفنان قد اختار اللون الأصفر لدلالاته المعروفة، فلقد استخدم الفنان فان كوخ اللون الأصفر بكثرة وبحدة، وكان دائمًا في نظره ونظر السلطات الدينية المسيحية انه  يرمز للقدسية والجلال، وهنا استعار الفنان الياباني هذه الرموز ووظفها في لوحته وركز عليها وجعلها في مسقط النظر، وتكونت بذلك البؤرة التي تستقطب المتلقي.

 في الوقت الذي بهتت فيه سلطة الكنيسة ورجال الدين وفقدت بريقها، وأخذت القوانين المدنية تسيّر أمور الناس قاطبة من دون اعتبارات لدين وقومية أو عرق،  طغت الشفافية والفكر الحر الرحب على الحياة بشكل عام، وأخذت المواضيع الفنية تعالج أفكارها الدينية بحرية وذهن متفتح بعيدًا عن التشنجات والتعصب الديني والفكر الاحادي، وما جاء أعلاه ينطبق أيضًا على استحواذ الفكر القومي الشوفيني على مجريات الحياة اليومية للشعوب، وكذا بالنسبة للفكر الشمولي وبزوال التشنجات القومية الشوفينية والأفكار الدينية التكفيرية والأفكار الشمولية، فإن الفنون كمنحى من مناحي الحياة اكتسبت قوة وصلابة وتفتحًا في تعابيرها وتوظيفاتها التشكيلية، ولم تجد الكنيسة كسلطة دينية إلا القبول بهذه التغيرات وانصاعت للتطورات والمبادرات الحديثة التي يمكن تفسيرها على أنها تدعم الفكرة الأساسية والأصل، وهي ترويج الفكر الإيماني، فنجد هذا المعرض كمبادرة من كنيسة للدلالة على القبول بالأفكار الأخرى غير التقليدية، ما دامت تصب في مبادئها الأساسية ولم تتحرج من القبول بالأفكار الجديدة وتركت الاهتمامات الشكلية الثانوية.

إن المسيح ولد ومات كمواطن يهودي، ولكن كان يرفض الكثير من الممارسات التي يشعر بأنها اهتمت بالجزئيات وتركت الأصل، والأصل عنده الوصايا العشرة، وهي تعليمات واضحة لا لبس فيها ولا تحتاج إلى تفسير واجتهاد، فضلًا عن أنه شعر بأن أورشليم وأريحا والسامرة وغيرها من المدن الفلسطينية وأهلها هم أولى بتذكيرهم بما عليهم القيام تجاه الله الذي يعبدونه، وهم أولى بأن يقدم لهم أمثاله ونصائحه ودعمه واهتمامه وكما جاء في الكتاب القيم للدكتورة سهى رسام المعنون "المسيحية في العراق" أن مملكة (Osrhoene ( على الحدود بين العراق وتركيا وسوريا بعاصمتها اورفة ومدينتها الشهيرة حران، إن ملك هذه المملكة المدعو ابكار قد دعا المسيح أن يقيم عنده ليبعده عن الظلم الذي يقاسيه في فلسطين وطنه ولأنه بحاجة للمسيح ليشفيه "أي الملك" من داء أصابه إلا أن المسيح رد عليه بأن مهمته بين أبناء وطنه لم تنتهِ وأنه سيرسل له أحد حواريه ليشفيه.

 وهذا المعرض لم ينسَ فلسطين موطن المسيح، فلقد خص أحد أبناء فلسطين بخمس لوحات تعبر عن الهم الفلسطيني الحالي، والذي يعاني منه الفلسطينيون، ولقد مثله الفنان بالجدار العازل الذي بنته إسرائيل ويقول الفنان صاحب اللوحة بأن الجدار قد عزل المجتمع الفلسطيني بأديانه الثلاثة، وأن الغرب لا يقدم الدعم للمسيحيين وهم مضطهدون، والجدار علامة العزل العنصري، والفنان الفلسطيني المولد في بيت جالا والمقيم حاليًا في بيت لحم لا يريد ترك فلسطين بل يريد أن يعم حب المسيح الجميع وبالحب تزول الجدران العازلة.

5

 لوحة الجدار العازل ( من فلسطين)

Comments powered by CComment

Lock full review www.8betting.co.uk 888 Bookmaker